الملك رمسيس الثاني يهزم الحيثيين في معركة قادش


وتبدأ مصر فترة تاريخية جديدة هي الدولة الحديثة أو عصر الامبراطورية ، وتصبح طيبة عاصمة مصر والامبراطورية ، وتنطلق منها الجيوش وتقام الحاميات والمعسكرات للجند في شرق البلاد وغربها وجنوبها ، وتزدهر صناعة السلاح والمعدات الحربية ويزداد الجندي المصري خبرة ،ومهارة ،وهكذا بدأت مصر أعظم فترة عسكرية في تاريخها وأصبح لمصر جيش واحد ، حتي صار هذا العصر ذا طابع عسكري.
واية ذلك أن جدران المعابد وغيرها تزخر بأخبار انتصارات الجيش المصري وفتوحاته هنا وهناك ، كما كان ملوك مصر يقدمون الاوسمة والنياشين للقادة العسكريين ، فنجد الملك أحمس الاول يمنح القائد أحمس بن ابانا ــ نوط ذهب الشجاعة خمس دفعات تقديرا لبسالته في المعارك وهي مسجلة علي مقبرته من خلال سيرته الذاتية علي الجدران ، ووضعت الخطط للجيوش في معاركها حسب نوعية العدو وعدد افراد جيشه وطبيعة الارض وموقع المعركة .

لقد كانت الدولة الحديثة علي نقيض من سائر العصور الاخري للتاريخ المصري القديم ، اذ تميزت في هذا العصر بأنها ذات طابع حربي وأصبحت ملامح الجيش المصري واضحة فالسرايا والفرق محددة العدة والعدد تحمل اسماء الالهة والملوك فهناك فرقة الرماة ،وفرقة المركبات ،وفرقة الاقواس التسعة ، وسرية امون ،وسرية بهاء قرص الشمس ،و اصبح هناك ايضا ما يعرف بأسم حملة الاعلام .
وبدأ الجيش يتكون من مقدمة وقلب وميمنة وميسرة ، بالاضافة الي العناصر المساعدة في المقدمة وفي المؤخرة واتبع الجيش المصري الكثير من الخطط العسكرية التي كان من بينها الحرب المفاجئة ثم هناك التراجع التكتيكي لاعادة تنظيم الصفوف والتمويه والخداع وفرق الاستطلاع الحربي.
ولقد سجل التاريخ في الدولة الحديثة كثيرا من المعارك التي خاضها الجيش المصري وحقق فيها انتصارات باهرة ،ولعل من اشهر تلك المعارك معركة مجدو التي جرت احداثها في عهد الملك تحتمس الثالث أشهر القادة العسكريين في مصر القديمة وليس هناك شك ان اعمال تحتمس الثالث العسكرية في هذه المعركة تعد مفخرة يعتز بها التاريخ الحربي في العالم القديم ، فهو أول من نظم الجيوش وقسمها الي قلب وجناحين ،واول من درس ساحة القتال قبل ان يخوض المعركة ، وأول من نفذ الحرب الخاطفة المفاجئة ، لهذا اطلق عليه كثير من المؤرخين نابليون الشرق .
وقد حوت جدران معبد الكرنك فيما يسمي بصالة الحوليات علي اخبار سبع عشرة حملة عسكرية خاضها تحتمس الثالث علي البلاد الخاضعة للامبراطورية المصرية كبلاد سوريا وفلسطين والنوبة حيث أخذت بعض الشعوب الخاضعة لمصر تتمرد علي الحكم المصري فاضطر أن يخرج علي رأس جيشه في العام الاول من حكمه لاخضاع هذه الشعوب واتبع طريق حورس الحربي ، وهو الطريق الذي يبدأ من حصن ثارو عند القنطرة شرق وينتهي عند رفح ليصل الي غزة بعد تسعة ايام ، ثم اليمنطقة يحم في عشرة ايام الي ان وصل الي سفح جبل الكرمل حيث اقام معسكرا وجمع أعضاء مجلس الحرب ليستشيرهم في افضل الطرق للوصول الي مجدو قائلا :ان العدو الخسيس في قادش قد دخل الي مجدو وهو هناك في تلك اللحظة ، وقد استطاع ان يطوي تحت لوائه الامراء الذين كانوا خاضعين لمصر وأنهم يستعدون لخوض معركة ضد الجيش المصري فماذا ترون ؟ وخير تحتمس أعضاء مجلس الحرب بين طريقين ، الاول : يمر عبر جبل ضيق لن يسمح بمرور جنود الجيش ومركباتهم الا في صف واحد والاخر : يدور حول الشمال الغربي عبر احدي المدن هناك ، وينتهي في السهل الشمالي من مجدو أو يتجه جنوبا الي ناحية الشرق نحو مدينة أخري ، ثم يعود فينحرف الي الشمال الغربي حيث يمر الطريق بحافة الجبل ليدخل من الجنوب الشرقي .
ورأي المستشارون أن الطريق الاول الممر الجبلي محفوف بالمخاطر حيث يمكن القضاء بسهولة علي مقدمة الجيش ومؤخرته ، وفضلو اجتياز الطريق الثاني الاسهل والاكثر امنا ، غير ان تحتمس الثالث بثاقب نظره وبرؤيته العسكرية المتميزة رأي أن يسلك الطريق الاول لان العدو لن يتوقع اجتياز الجيش المصري لهذا الطريق . وباغت تحتمس الثالث العدو الاسيوي وهو مرابط حول مجدو وجناحه الايمن فوق تل في الجنوب الغربي وجناحه الايسر حول شمالها الغربي ، وأصدر أوامره بالهجوم وكان هو بنفسه علي رأس الجيش وما لبث العدو أن تقهقر ثم ولي الادبار تاركا عتاده واحتمي بالحصن .
ولم يواصل الجيش المصري الهجوم ولم يتابع العدو للقضاء علي فلوله ، ولكن الجنود المصريين انهمكوا في الاستيلاء علي الغنائم فتركوا للعدو فرصة ثمينة لاعادة تنظيم صفوفه ليعاود الالتحام بالجيش المصري ، مما دعي تحتمس الثالث الي تأنيب جنوده قائلا : لو تابعتم الهجوم واستوليتم علي هذه المدينة لقدمتم قربانا هائلا للاله رع فرؤساء البلاد العاصية جميعا في داخل المدينة .








وأمر تحتمس الثالث بمحاصرتهم كما امر بأن لا يسمح لاحد من سكانها بالاقتراب من معسكرات الجيش المصري والا جئ به كأسير حرب .
ولم تحتمل المدينة الحصار طويلا لنفاذ المؤن فاستسلمت ، ولكن أمير قادش تمكن من الفرار منتهزا فرصة انشغال الجنود المصريين بجمع الغنائم وهكذا كان لنجاح هذه الحملة أثرا كبير في اعادة هيبة مصر في فلسطين بوجه خاص وفي غرب اسيا بوجه عام ، وقد أقام تحتمس الثالث كثيرا من الحصون ليؤمن ما استولي عليه من مدن وحتي يستطيع أن يضمن سلامة الطرق التي اجتازها للوصول الي تلك المناطق.
عاد تحتمس الثالث من حملته الي طيبة حيث استقبل استقبال الابطال الفاتحين وأقيمت الاحتفالات وقدمت الغنائم للاله امون وسجلت تفاصيل هذه الحملات علي جدرانمعبد الكرنك فاصبحت علامة بارزة في تاريخ مصر القديمة .
وجاء من بعده أمنحتب الثاني الذي كان هو الاخر محاربا من الطراز الاول فاتخذ من والده تحتمس الثالث القدوة والمثل : ومن ثم فقد حقق لمصر كثيرا من الانتصارات ، وفي أحدي حملاته اتجه الي يحم في فلسطين واستولي علي العديد من مدن فلسطين وتستمر الانتصارات طوال الاسرة الثامنة عشرة كما تحمل الينا الاسرة التاسعة عشرة أسماء لامعة في مجال العسكرية المصرية وعلي رأسهم الملك سيتي الاول الذي تربي في رحاب العسكرية المصرية ، ونال من الخبرة ما أهله لكي يصبح قائدا عسكريا من الطراز الاول ، وبتوليه العرش وضع نصب عينيه تقوية دعائم الامبراطورية المصرية التي كانت قد تعرضت لبعض الهزات في النصف الثاني من عصر الاسرة الثامنة عشرة وانطلق سيتي الاول شرقا وغربا وجنوبا يقهر أعداء مصر ، غير أنه كان يعد العدة لمواجهة عدوه التقليدي ملك خيتا في اسيا الصغري ، حيث كانت تسعي دائما في ثورة الولايات الخاضعة لمصر عليها بل دعمها للانسلاخ عن الامبراطورية المصرية ، ونجح سيتي الاول في ان يكسر شوكة مملكة خيتا ويشعرها بقوة الجيش المصري من خلال المعارك التي خاضها ضدها بالقرب من قادش وخلفه علي العرش ابنه رمسيس الثاني أحد اعظم ملوك العالم القديم ، وصاحب العلامات البارزة للعسكرية المصرية وصاحب أكبر المنشات عددا علي ارض مصر.





ففي العام الخامس من حكمه كان ملك الحيثيين موتلي قد استمال الي جانبه بعض حكام الولايات المناوئة لمصر ، والطامعة في الخروج علي سلطان الملك المصري : ولهذا أعد جيشا قويا جمعه من هذه الولايات ومن الجنود المرتزقة من جزر بحر ايجه وتقد ملك الحيثيين الي قادش التي تعد بمثابة بوابة سوريا الشمالية .
فأعد رمسيس الثاني العدة لملاقاة جيش الحيثيين وكان عماد الجيش اربع فرق تحمل اسماء الالهة 
امون 
بتاح 
رع 
ست 
وسار رمسيس الثاني علي الطريق الحربي التقليدي واتجه شمالا نحو الشاطئ السوري وظل يتوغل الي ان وصل الي وادي نهر العاص وتذكر النصوص المصرية القديمة أن بعض جنود الجيش المصري نجحوا في القبض علي جاسوسين من بدو الشاسو كان موتلي ملك الحيثيين قد كلفهما بالتجسس علي الجيش المصري وفي اثناء تأديبهما للادرلاء بمعلومات عن الجيش الحيثي أدليا بمعلومات عن حقيقة جيش الحيثيين وعدده وموقعه وتحصيناته والظاهر ان الملك رمسيس الثاني قد صدق ما ادلي به الجاسوسان من معلومات واتجه الي موقع الحيثيين وكانت معه فرقة امون فقط وتتبعها فرقة رع في الوقت الذي كان فيه جيش الحيثيين يتحصن في موقع اخر حيث قام بمناورة ونجح في الانقضاض علي فرقة رع فأخذ رمسيس الثاني يعيد تنظيم جيشه وخططه في ضوء الواقع ، وطلب مددا من الفرق الاخري ونجح مع جيشه في ان يلتحم مع العدو ، وكانت المعركة سجالا بين جيشين قويين سجلت اخبارها علي جدران معبد الكرنك والاقصر والرامسيوم وابو سمبل ، ولقد ذكر رمسيس في سجلات هذه المعركة أن ملك الحيثيين قد طلب العفو حتي لا يفني ما تبقي من رعاياه .
وبعد هذه المعركة استسلمت كل المدن التي كانت تقف وراء الحيثيين في سوريا وفلسطين ، وعادت الجيوش المصرية الي طيبة واستقلبت استقبال المنتصرين وعمت الاحتفالات كل ارجاء مصر وتغني الشعراء بهذا الانتصار .



وتحكي النصوص المصرية حفل استقبال الجيش المنتصر : حيث انتظر كبار رجال الدولة والوزراء وهم يرفعون أذرعتهم في ابتهال قائلين أهلا بعودتك الي البلاد لقد انتصرت علي اعدائك .. لقد ثبت رع حدودك وهو الذي يحميك وفأسك تصيب سائر البلاد الاجنبية وأمراؤها يسقطون أمام سيفك .
تيقن الحيثيون أن جيش مصر ليس بالجيش الذي يقهر ن ففضلو أن ينشدوا ود مصر ، وان يعقدو معها معاهدة سلام ، وكان ذلك حوالي عام 1280 ق . م ، في العام الحادي والعشرين من حكم رمسيس الثاني ، وتم عقد هذه المعاهدة بينه وبين الملك الحيثي ( خاتوسيلي ) الذي تولي الحكم بعد ( موتلي ) .
ولتأكيد حسن النية قام الملك الحيثي بتزويج أحدي بناته للملك رمسيس الثاني وهو الحدث الذي سجل علي جدران معبد او سمبل الكبير .
لقد دام حكم الملك رمسيس الثاني سبعة وستين عاما عاما كانت من أكثر فترات الحكم قوة وازدهار حيث تحققت لمصر انتصارات عسكرية مهمة ، وثبت حدود امبراطوريتها .
وتتوالي الانتصارات العسكرية المصرية بتولي ابنه الملك ( مرنبتاح ) عرش البلاد الذي واجه تمرد بعض قبائل فلسطين ومن بينهم قبيلة اسرائيل ويبعث ( مرنبتاح )بجيش قوي يقضي علي هذه القبائل . 
وتذكر لوحة ( مرنبتاح ) المعروفة خطأ بلوحة اسرائيل أن الجيش المصري قد قضي علي بذرة مجموعة من القبائل من بينها اسرائيل وحقق الجيش المصري انتصار باهرا في فلسطين وانتصارات اخري علي بعض الشعوب ( الهندوأوربية ) القادمة من ناحية الحدود الغربية والقضاء عليها .