اختفاء مومياء نفرتيتي


Top of Form

في فبراير 2003 كشف فريق بحث في وادي الملوك النقاب عمّا يمكن أن يكون مومياء الملكة المصرية الأسطورة نفرتيتي. وقد استخدم فريق جامعة يورك الذي تقوده الدكتورة جوان فلتشر نظاماً متنقلاً للأشعة للفحص على المومياء. وكانت تلك هي المرة الأولى التي تسمح فيها السلطات المصرية باستخدام مثل هذه الأجهزة في مواقع الآثار. تم العثور على الجثة التي أدرجت تحت "المومياء 

61072" راقدة بجانب جثتين أخرتين محنطتين لامرأة وصبي في ركن من أركان غرفة المقبرة كي في 35. وقد تمكن الباحثون من فحص المومياء داخل المقبرة، متجنبين بذلك أي احتمال لتعرضها للتلف أو التشويه أثناء عملية النقل. ولم يكن لتلك العملية أن تتم بدون استخدام جهاز "كانون – سي إكس دي آي 31"، أول نظام أشعة رقمي متنقل في العالم. سمحت تقنية الأشعة المتنقلة ذات الشاشة المسطحة للعلماء بالعمل داخل المقبرة نفسها بإنتاج لقطات ثلاثية الأبعاد للجثة المحنطة دون الحاجة حتى لتحريكها من مكانها. كما تسمح تقنية تقريب الصورة بالتقاط صور مكبرة للمجوهرات والأسنان والعظام بالإضافة إلى صور للجسم بأكمله. كما يمكن أن تستخدم التقنية الجديدة في القيام برحلات افتراضية داخل هيكل المومياء.

وقد استرعت واحدة من المومياءات انتباه فريق البحث، فقد كشفت الصور القديمة عن شبه كبير بينها وبين التمثال النصفي الشهير لنفرتيتي في متحف برلين وقد أعطيت المومياء الرقم 61072، وقد عثر عليها مع اثنتين أخرتين إحداهما لامرأة والأخرى لصبي، وكانت المومياءات الثلاثة تحتلان ركناً من غرفة دفن أمينوفس الثاني. ويرجع فضل العثور على المومياءات الثلاثة لعالم الآثار الفرنسي فيكتور لوريت في نهاية القرن التاسع عشر الميلادي. ولكن بما أن تلك المومياءات كانت في حالة يرثى لها فهي لم تلقَ اهتماماً يذكر في ذاك الوقت أو بعده. لكن اليوم، وعقب مجهودات كبيرة في الفحص والتمحيص، توصل الفريق الأثري البريطاني إلى خلاصة مفادها أن المومياء 61072 تخص الملكة الأسطورة نفرتيتي شخصيا.

هل عُثر على جثة نفرتيتي؟
بناء على اعتقاد العالمة البريطانية، فإن الأدلة التي تثبت أن المومياء تعود إلى نفرتيتي تشمل: شحمة الأذن التي بها ثقبان وهي علامة ملكية، والآثار التي خلفتها عصابة ذهبية على الرأس وتلك أيضاً تعتبر علامة ملكية أخرى إذ أن ارتداء تلك العصابات بهذه الطريقة كان حصرياً على أفراد العائلة المالكة فقط، والرأس الحليق الذي تعتقد الدكتورة فلتشر بأنه يمكن أن يكون الدليل الدامغ في حالة تواؤمه مع مقاس التاج الأزرق الموضوع على رأس تمثال نفرتيتي النصفي في متحف برلين.
وكان التقييم المبدئي الذي توصل له فريق البحث البريطاني مفاده أن تلك المومياء، التي عثر عليها راقدة تحت ركام هائل من الكتّان، تخص على أقل تقدير إحدى نساء العائلة المالكة في عهد العمارنة.
فالرقبة الطويلة التي تشبه رقبة البجعة، والخدان المرتفعان والحنك الرقيق تنطبق كلها على أوصاف رأس نفرتيتي الرقيق. وطبقاً للدكتورة فلتشر فإن علامة أخرى تؤكد انتماء المومياء للملكة الجميلة هو شعر مستعار تم العثور عليه في وقت سابق بالقرب من الجثة المحنطة. وكانت الباروكة رأساً مصفف على الطراز النوبي وقد كان هذا هو الطراز المفضل لدى سيدات الأسرة الحاكمة في أواخر فترة حكم الأسرة الثامنة عشرة.
وفضلاً عن ذلك فإن الأسلوب الذي اتبع في تحنيط المومياءات الثلاثة التي عُثر عليها في المقبرة "كي في 35" جنباً إلى جنب مع المواد المستخدمة والنوع المحدد من التحنيط تشير جيمعاً إلى أنها تعود إلى فترة منتصف إلى نهاية عهد الأسرة الثامنة عشرة، أي الفترة التي حكم فيها اخناتون وزوجته نفرتيتي مصر القديمة. وتلك كانت هي النتيجة التي توصل إليها الدكتور ستيفن بكلي، وهو خبير عالمي متمكن في هذا المجال شارك في الفحص الدقيق الذي خضعت له تلك المومياءات.
اكتشاف اثار عنف علي الجثة:
تحمل الجثة التي يُعتقد بأنها لنفرتيتي آثاراً لعنف شديد، فعلى ما يبدو أنها أصيبت بفأس أو نوع من المناجل. وقد فقدت المومياء الأذن اليمنى وأحد الذراعين، على الرغم من أن اليد المفقودة تم العثور عليها في بعثة استكشافية ثانية قام بها الفريق البريطاني في فبراير 2003. وبما أن هناك أدلة كثيرة، في رأي الدكتورة جوان فلتشر، لترجيح فرضية تعرّض نفرتيتي لتعذيب قاسٍ بل وحتى قتل، فربما كانت تلك الإصابات لغز اخر من الألغاز التي ستؤدي في النهاية إلى إثبات حاسم لهوية الجثة. وربما كان المصرع الذي اتسم بالعنف الذي ابتليت به الملكة ثأراً من شعبها، على حد قول الدكتور فلتشر، بسبب الأسلوب الذي أعرضت به هي واخناتون عن الدين القديم. وقد كشفت المزيد من الفحوص عن أن الوجه قد تعرض لضربات عنيفة بواسطة آلة حادة، ربما كانت خنجراً. وهذا يعضد من فرضية أن الملكة إما تعرضت للتعذيب قبل وفاتها أو أن جثتها شُوّهت عقب وفاتها.
شكوك العلماء:
غير أن بعض الخبراء عبروا عن شكوكهم. فهم يعتقدون بأن فلتشر وزملاءها قد بنوا فرضيتهم على أدلة غير كافية. ويقولون إن المومياء التي أُعيد اكتشافها خلال البحث ربما كانت تخص شخصاً آخر مثل إحدى بنات نفرتيتي مثلاً. لذلك، وعلى الرغم من البحث المستفيض، فإن المومياء التي يزيد عمرها عن الثلاثة آلاف عام وتحمل الرقم 61072 تستمر في تشكيل لغز محير. وربما كان المفتاح في حله بشكل حاسم هو إجراء فحص مقارن للحامض النووي. ولكن بما أنه حتى اليوم لم يتم العثور على أي من بنات نفرتيتي أو أهلها المقربين فإن هذا يعني بأن اختبارات الحامض النووي غير مجدية في الوقت الحاضر.
مصيــر مجهول:
ماذا يمكن أن يكون قد أصاب الملكة؟ ظل الباحثون يعتقدون لفترة طويلة من الزمن بأن الملكة قد فقدت حظوتها لدى اخناتون وتم إقصاؤها عن العائلة المالكة. وربما كان ذلك بسبب إخفاقها في إنجاب ابن له؟ وهناك نظرية أخرى تقول بأن الزوجين تم الإطاحة بهما من قبل عصيان شعبي قام به من كانوا يعتقدون بأن عبادة آتون كانت بدعة. وبما أن توت عنخ أمون كان قد استعاد العرش في 1333 قبل الميلاد فإنه من المؤكد أنه قام بالتخلص من كل آثار اخناتون ونفرتيتي ومحا كل ما كان يمكن أن يعيدهما إلى الأذهان.
ولم يتم العثور في مقبرة تل العمارنة حتى يومنا هذا على أكثر من بعض المتعلقات التي يعتقد بأنها تعود لاخناتون مما يشير إلى أن نفرتيتي لم تدفن هناك؛ فضلاً عن أن وفاة الملكة لم يتم توثيقها في أي مكان آخر.
Bottom of Form

0 comments: