في التراث الإسلامي
سليمان هو أحد أنبياء الله في الإسلام وقد ذكر ملكه القرآن و نسب إليه جيشا من الوحش والطير والجن والبشر وصفات أخرى مثل قدرته على فهم منطق جميع الكائنات بما فيها النمل وقد قال الحافظ أبو بكر البيهقي:
أنبأنا أبو عبد الله الحافظ، أنبأنا علي بن حمشاد حدثنا إسماعيل بن قتيبة،
حدثنا علي بن قدامة، حدثنا أبو جعفرالإستوائي (الإستوائي نسبة إلى اتسوا
وهي كورة بنواحي نيسابور ذكره صاحب معجم البلدان وفيه: محمد بن بسطام بن الحسن الإستوائي وقد ولي قضاء نيسابور ودام له القضاء ولأولاده..)
يعني محمد بن عبد الرحمن عن أبي يعقوب القمي (وهو أبو الحسن يعقوب بن عبد
الله بن سعد بن مالك الأشعري القمي)، حدثني أبو مالك قال: مر سليمان بن داود بعصفور يدور حول عصفورة فقال لأصحابه: أتدرون ما يقول؟ قالوا: وما يقول يا نبي الله؟ قال: يخطبها إلى نفسه, ويقول زوجيني أسكنك أي غرف دمشق شئت. قال سليمان عليه السلام: لأن غرف دمشق مبنية بالصخر لا يقدر أن يسكنها أحد ولكن كل خاطب كذاب وكذلك ما عداها من الحيوانات وسائر صنوف المخلوقات والدليل على هذا قوله بعد هذا من الآيات: (وأوتينا من كل شيء) أي من كل ما يحتاج الملك إليه من العدد والآلات والجنود والجيوش والجماعات من الجن والإنس والطيور والوحوش والشياطين السارحات والعلوم والفهوم والتعبير عن ضمائر المخلوقات من الناطقات والصامتات ثم قال: (إن هذا لهو الفضل المبين) أي من بارئ البريات وخالق الأرض والسموات كما قال تعالى: وَحُشِرَ لِسُلَيْمَانَ جُنُودُهُ مِنَ الْجِنِّ وَالْإِنْسِ وَالطَّيْرِ فَهُمْ يُوزَعُونَ حَتَّى
إِذَا أَتَوْا عَلَى وَادِ النَّمْلِ قَالَتْ نَمْلَةٌ يَا أَيُّهَا
النَّمْلُ ادْخُلُوا مَسَاكِنَكُمْ لَا يَحْطِمَنَّكُمْ سُلَيْمَانُ
وَجُنُودُهُ وَهُمْ لَا يَشْعُرُونَ فَتَبَسَّمَ
ضَاحِكًا مِنْ قَوْلِهَا وَقَالَ رَبِّ أَوْزِعْنِي أَنْ أَشْكُرَ
نِعْمَتَكَ الَّتِي أَنْعَمْتَ عَلَيَّ وَعَلَى وَالِدَيَّ وَأَنْ أَعْمَلَ
صَالِحًا تَرْضَاهُ وَأَدْخِلْنِي بِرَحْمَتِكَ فِي عِبَادِكَ
الصَّالِحِينَ سورة النمل, الآيات 17-19
قصة سليمان والنملة
يذكر القرآن حادثة لسليمان مع نملة, حيث أنه ركب يوما في جيشه جميعه من الجن والإنس والطير، فالجن والإنس يسيرون معه، والطير سائرة معه تظله بأجنحتها من الحر وغيره، وعلى كل من هذه الجيوش الثلاثة وزعة أي نقباء يردون أوله على آخره فلا يتقدم أحد عن موضعه الذي يسير فيه، ولا يتأخر عنه كذلك: حَتَّى
إِذَا أَتَوْا عَلَى وَادِ النَّمْلِ قَالَتْ نَمْلَةٌ يَا أَيُّهَا
النَّمْلُ ادْخُلُوا مَسَاكِنَكُمْ لَا يَحْطِمَنَّكُمْ سُلَيْمَانُ
وَجُنُودُهُ وَهُمْ لَا يَشْعُرُونَ سورة النمل, الآية 18 فأمرت وحذرت واعتذرت عن سليمان وجنوده بعدم الشعور.
وبحسب القرآن فقد فهم سليمان ما خاطبت به تلك النملة لامتها من الرأي
السديد، والأمر الحميد، وتبسم من ذلك على وجه الاستبشار والفرح والسرور بما
أطلعه الله عليه دون غيره. والمراد بوالديه في آية سورة النمل, داود وأمه وكانت من العابدات الصالحات كما قال سنيد بن داود، عن يوسف بن محمد بن المنكدر، عن أبيه عن جابر عن النبي محمد قال: " قالت أم سليمان بن داود: يا بني لا تكثر النوم بالليل فإن كثرة النوم بالليل تدع العبد فقيرا يوم القيامة "
وقال عبد الرزاق، عن معمر، عن الزهري،
أن سليمان خرج هو وأصحابه يستسقون فرأى نملة قائمة رافعة إحدى قوائمها
تستسقي فقال لأصحابه: ارجعوا فقد سقيتم إن هذه النملة استسقت فاستجيب لها. قال ابن عساكر: وقد روي مرفوعا ولم يذكر فيه سليمان ثم ساقه من طريق محمد بن عزيز، عن سلامة بن روح بن خالد، عن عقيل، عن ابن شهاب حدثني أبو سلمة، عن أبي هريرة أنه سمع الرسول محمد يقول: " خرج
نبي من الأنبياء بالناس يستسقون الله فإذا هم بنملة رافعة بعض قوائمها إلى
السماء فقال النبي: ارجعوا فقد استجيب لكم من أجل هذه النملة ". وقال السدي:
أصاب الناس قحط على عهد سليمان عليه السلام، فأمر الناس فخرجوا فإذا بنملة
قائمة على رجليها باسطة يديها وهي تقول: " اللهم أنا خلق من خلقك ولا غناء
بنا عن فضلك " قال فصب الله عليهم المطر.
هدهد سليمان وملكة سبإ
يذكر القرآن: (وتفقد الطير فقال مالي لا أرى الهدهد أم كان من الغائبين لأعذبنه عذابا شديدا أو لأذبحنه أو ليأتيني بسلطان مبين فمكث غير بعيد فقال أحطت بما لم تحط به وجئتك من سبأ بنبأ يقين إني وجدت امرأة تملكهم وأوتيت من كل شيء ولها عرش عظيم. وجدتها وقومها يسجدون للشمس من دون الله وزين لهم الشيطان
أعمالهم فصدهم عن السبيل فهم لا يهتدون ألا يسجدوا لله الذي يخرج الخبء في
السموات والأرض ويعلم ما تخفون وما تعلنون الله لا إله إلا هو رب العرش
العظيم. قال سننظر أصدقت أم كنت من الكاذبين. إذهب بكتابي هذا فألقه إليهم
ثم تول عنهم فانظر ماذا يرجعون. قالت يا أيها الملأ إني ألقي إلي كتاب كريم
إنه من سليمان وإنه بسم الله الرحمن الرحيم ألا تعلوا علي وأتوني مسلمين
قالت يا أيها الملؤ أفتوني في أمري ما كنت قاطعة أمرا حتى تشهدون قالوا نحن
أولوا قوة وأولوا بأس شديد والأمر إليك فانظري ماذا تأمرين. قالت إن
الملوك إذا دخلوا قرية أفسدوها وجعلوا أعزة أهلها أذلة وكذلك يفعلون وإني
مرسلة إليهم بهدية فناظرة بما يرجع المرسلون فلما جاء سليمان قال أتمدونن
بمال فما آتاني الله خير مما آتاكم بل أنتم بهديتكم تفرحون. ارجع إليهم
فلنأتينهم بجنود لا قبل لهم بها ولنخرجنهم منها أذلة وهم صاغرون) سورة النمل, الآيات 20 - 37
يذكر القرآن ما كان من أمر سليمان والهدهد وذلك أن الطيور كان على كل صنف منها مقدمون يقومون بما يطلب منهم، ويحضرون عنده بالنوبة كما هي عادة الجنود مع الملوك. وكانت وظيفة الهدهد على ما ذكره ابن عباس
وغيره أنهم كانوا إذا أعوزوا الماء في القفار في حال الأسفار يجيء فينظر
لهم هل بهذه البقاع من ماء وفيه من القوة التي أودعها الله فيه أن ينظر إلى
الماء تحت تخوم الأرض فإذا دلهم عليه حفروا عنه واستنبطوه وأخرجوه
واستعملوه لحاجتهم. فلما تطلبه سليمان ذات يوم فقده ولم يجده في موضعه من
محل خدمته (فقال مالي لا أرى الهدهد أم كان من الغائبين) أي ماله مفقود من ههنا أو قد غاب عن بصري فلا أراه بحضرتي (لأعذبنه عذابا شديدا) توعده بنوع من العذاب. اختلف المفسرون فيه والمقصود حاصل على كل تقدير (أو لأذبحنه أو ليأتيني بسلطان مبين) أي بحجة تنجيه من هذه الورطة. كما ذكر بالقرآن: (فمكث غير بعيد) أي فغاب الهدهد غيبة ليست بطويلة ثم قدم منها: (فقال) لسليمان: (احطت بما لم تحط به) أي اطلعت على ما لم تطلع عليه (وجئتك من سبأ بنبأ يقين) أي بخبر صادق (إني وجدت امرأة تملكهم وأوتيت من كل شيء ولها عرش عظيم) يذكر ما كان عليه ملوك سبأ في بلاد اليمن من المملكة العظيمة والتبابعة
المتوجين، وكان الملك قد آل في ذلك الزمان إلى امرأة منهم ابنة ملكهم لم
يخلف غيرها فملكوها عليهم. وذكر الثعلبي وغيره أن قومها ملكوا عليهم بعد
أبيها رجلا فعم به الفساد، فأرسلت إليه تخطبه فتزوجها فلما دخلت عليه سقته
خمرا ثم حزت رأسه ونصبته على بابها، وقوله تعالى: (وأوتيت من كل شيء) أي مما من شأنه أن تؤتاه الملوك (ولها عرش عظيم) يعني سرير مملكتها كان مزخرفا بأنواع الجواهر واللآلئ والذهب والحلى الباهر.