الزراعة والتجارة وبالذات البخور والعطور والطيب لما لها من أهمية عند
الشعوب القديمة لمعتقدات متعلقة بطرد الأرواح الشريرة من المنازل والمعابد
وماشابهها من الطقوس التعبدية في العالم القديم، كانا عماد الاقتصاد اليمني
وكان اليمنيون أكثر من بقية سكان الجزيرة العربية ميلا وتعلقا بالزراعة
حتى إن الباحثين يعتبرون اللهجات العربية الجنوبية تمتلك ألفاظا زراعية
أكثر بطبيعة الحال من المناطق الصحرواية في وسط الجزيرة أو الصخرية في
شمالها ولم يعثر على شي يفيد بتقدم نظام زراعي في المناطق الشرقية للجزيرة
العربية رغم أن سكانها مزارعين. وكان لنظام الري وحصر مياه الأمطار أثر
كبير في تطور الزراعة في اليمن فقد أبتكر اليمنيون القدماء نظام ري قل
نظيره في العالم وأستطاعوا ري الكثير من الأراضي الجدبة وشبه الصحراوية حتى
أوصلوا الماء للمرتفعات الجبلية كما يذكر في نقش "كتابة صرواح" الذي خلده
ملك سبأ كرب إيل وتر. وكان لهم مصطلحات زراعية مثل "أنخل" ويقصد بها الأرض التي يكثر بها النخل و"موفرن" وتعني الأرض الخصبة الوفراء
وكلمات أخرى مثل "وثن" وهي الحد الفاصل الذي يفصل الممتلكات والأراضي
الزراعية من الأحجار ولايزال اليمنيون إلى اليوم يسمون أي تجمع لحجارة
"وثن" أما المدرجات في المرتفعات الجبلية فقد سماها اليمنيون القدماء "جربة" وهي مشاهدة في اليمن وعسير إلى اليوم
وقد إهتم اليمنيون بالزراعة وتظهر الآثار تقدما في هذا الجانب على أماكن
زراعية أخرى في شبه الجزيرة فبنوا السدود الصغيرة في كل واد وحوطوا
المدرجات الجبلية بصخور ومجاري لحصر مياه الأمطار وتوجيهها الجهة التي
يريدون عن طريق قنوات من عصور قديمة تعود إلى الألفية الثانية قبل الميلاد
ولاتوجد أنهار في اليمن فبدأ اليمنيون بالزراعة متأخرا مقارنة بحضارات
أخرى في الشرق الأدنى ووجدت بعض آثار لنظم زراعية تعود 5،200 سنة
وإذا إنحبس المطر, صلى اليمنيون لآلهتهم طلبا للسقيا وكان لديهم سقيتان،
"سقي خرف ودثا" أي "سقي الخريف والربيع" وإن أنعمت عليهم الآلهة قدموا لها
القرابين شكرا وتقديرا لأفضالها عليهم
ويقال للمطر "ذنم" في اليمن وهو عماد الحياة الاقتصادية فبدونه جدبت أرضهم
لعدم وجود أنهار في البلاد كما تقدم وهو سبب الرئيسي للجوئهم للوسائل
الصناعية واستخدام أياديهم وعقولهم لحفظ المياه. فحفروا الصهاريج المعروفة
باسم "نقب" في حضرموت وتراوحت أعماقها من ثلاثة إلى أربعة أمتار وتوصل
بمجاري تحت الأرض يبلغ طولها عدة كيلومترات لإيصال المياه إلى المزارع
والسكن
وبرع اليمنيون في بناء السدود أو "عرمن" (العرم) كما تذكر في اللغة
القديمة وكان الملوك يدفعون الأجور للعمال أو "الآدم" وفي حالات عديدة
كانوا يستعملون العبيد في حالات الطوارئ فيعتقد أن سد مأرب بني في القرن الثامن قبل الميلاد
ومر هذا السد بأطوار عديدة وتعرض للتصدع عدة مرات آخرها في العام 575
للميلاد ولم يكن بالإمكان إعادة ترميمه حينها لتردي الأوضاع في اليمن قبيل
الإسلام ووجود القوى الأجنبية في البلاد (الفرس) فانهار السد وجدبت الأراضي
التي كان يرويها وأصبحت صحراء قاحلة جدباء
أقام المهندسون اليمنيون في القرن الثامن قبل الميلاد سدا قويا في الجهة
التي تخرج منها السيول إلى المجاري عرف باسم "رحبم" وكان طوله قرابة 577
مترا وكان هذا السد هو حجر الأساس لسد مأرب الكبير الذي أقتطعت حجارته من
الجبال ونحتت بإتقان وتم إيصالها ببعض باستخدام قطع من قضبان إسطوانية
مصنوعة من الرصاص والنحاس يبلغ طول الواحد منها 16 سنتمترًا، وقطرها حوالي
الثلاثة سنتمترات ونصف. وذلك بصب المعدن في ثقب الحجر، فإذا جمد وصار على
شكل مسمار يوضع الحجر المطابق الذي صمم ليكون فوقه في موضعه بإدخال المسمار
في الثقب المعمول في الجهة السفلى من ذلك الحجر، وبذلك يرتبط الحجران
بعضهما ببعض برباط قوي محكم. وقد اتخذت هذه الطريقة لشد أزر السد، وليكون
في إمكانه الوقوف أمام ضغط الماء وخطر وقوع الزلازل
وبنيت الكثير من السدود المشابهة والمتصلة ببعضها البعض وقل مثيل هذه
السدود في العالم القديم باستثناء اليمن, فقد تغلب اليمنيون على تضاريس
بلادهم وسخروا الطبيعة لخدمتهم
أما التجارة، فقد نشأ سوق العطور والبخور منذ الألفية الأولى قبل
الميلاد على الأقل في منطقة الشرق الأدنى وشمال أفريقيا. وأهمية البخور
تكمن في المعتقدات السائدة حينها عن الجن والأشباح والعفاريت إذ كانت
مرتبطة بطقوس دينية عند كثير من الشعوب. ولم تكن هذه المحاصيل تزرع إلا في
شرق أفريقيا واليمن والهند وهو سبب اهتمام اليمنيين بسواحل أفريقيا كونها
مصدر المحصول الأكثر طلبا في العالم القديم. حتى أن الملكة المصرية حتشبسوت حاولت زرع هذه المحاصيل في مصر فلم تستطع وهناك خلاف بين الباحثين في تحديد مكان بلاد البنط المذكورة في نص دونته هذه الملكة المصرية ويبدو أنها الأرضين الواقعة غرب اليمن وشرق أفريقيا ويسمى التاجر "مكر" في اللغة القديمة في مقابل "تمكرو" بلغة الآشوريين
وذكر اليونان قوافل اليمنيين وكيف أنهم كانوا أثري سكان الجزيرة العربية
وكانت ثرواتهم مطمع الكثير حتى ذكر في العهد القديم أن السبئيين سيقدمون
بالذهب معظمين لملك اليهود المنتظر
وبغض النظر عن صحة القصة، هي دلالة على اتصال تجاري بين السبئيين واليهود
أو العبرانيين فكل الوارد عنهم في كتب اليهود من هذا القبيل وكان السبئيون
يشترون العبيد والجواري منهم ويستدل على ثراء السبئيين نصوص آشورية تشير إلى تلقي ملوك آشور هدايا من الذهب والفضة، قد تكون هدايا أو قد تكون ضريبة تدفعها الحكومات للسماح لتجارها بالإتجار في الأرض المعنية وكان اليمنيون يسمون آشور "آشر" و"عبر نهرن" وقد أشير في التوراة إلى قوافل سبأ، وهي قوافل كانت تسير من العربية الجنوبية مخترقة العربية الغربية إلى فلسطين، فتبيع ما تحمله من سلع هناك. وقد كان السبئيون يسيطرون على العربية الغربية، حتى بلغت حدود مملكتهم أرض فلسطين ويُعتقد أن أهل يثرب كانوا أحد المستوطنات اليمنية التي أنشأها السبئيون على طول الطريق التجارية المحاذية للبحر الأحمر وكان لليمنيين تجارة مع مصر القديمة
بلا شك حتى إن بعض اليمنيين وأغلب الظن أنهم من "معن مصرن" (مملكة معين
المصرية) عمل برتبة "أويب" وأنتخبه كهنة المعبد المصري كاهنا وذلك بالطبع
ليضمنوا حصولهم على البخور والمر بأسعار معقولة من اليمنيين وتهربا من دفع
الضرائب واسم هذا الكاهن الغير مصري "زيد إيل"
رغم ورود كتابات عن سيطرة اليمنيين على سواحل في أفريقيا فإن الوارد عن
التجارة البحرية قليل مقارنة بالبرية. كان لحضرموت ارتباط مع الهند وموانئ
أهمها ميناء قنا الذي يبعد عن مدينة المكلا قرابة 120 كيلومتر. ولايمكن للحضارم أن يصلوا للهند لو لم يكن لهم دراية وخبرة في صنع السفن
ولكن السفن العربية لم تكن بمستوى الرومانية التي بنيت لظنون عند الرومان
أن اليمنيين كانوا يملكون أسطولا بحريا قويا كما قال مرافق أيليوس غالوس سترابو فقد كان أغسطس قيصر
يعتقد لما رآه من هيئة التجار والقوافل أن السبئيين أهل قتال فأراد
السيطرة عليهم فإما يكونوا أصدقاء أو يكونوا خاضعين ولايضطر الرومان لدفع
مبالغ طائلة لقاء البضائع كون السبئيون كانوا متحكمين في أسعارها
0 comments:
Post a Comment