ليس من الواضح ما إذا كانت هذه الحضارات القديمة منبثقة من حضارات بدائية قامت في العصر البرونزي (امتدادا للعصور الحجرية) في اليمن أم أنهم نازحين من فلسطين خلال العصر الحديدي.
فالبعض يعتقد أن السبئيين وغيرهم كانوا امتدادا لحضارات بدائية قديمة جدا
قامت في اليمن إلا أن الارتباط اللغوي للعرب الجنوبيين مع الكنعانيين بالذات يرجح نزوحهم إلى الجنوب على رأي علماء المدرسة الألمانية القديمة، وتبقى هذه مجرد نظرية، فسبب النزوح (إن حدث فعلا) لا يزال غير معروف. ولكن في الفترة التي عثر فيها على كتابات مسندية قديمة في اليمن، كان المصريون قد توغلوا في كنعان
وأخضعوها لحكمهم، فيعتقد أن غزو المصريين كان سبب النزوح جنوبا واقتتالهم
مع ممالك محلية صغيرة (ممالك مدينة ـ City States) وهيمنتهم عليها. وقد ورد نص مصري عن تلقي الإمبراطور المصري تحتمس الثالث
هدايا من يمنيين في القرن الخامس العشر، وهذه الهدايا كانت بخورا مما يدل
على قدم سيطرة اليمنيين على مناطق إنتاج البخور ويضعف فرضية النزوح في
العصر الحديدي. كشفت أبحاث قصيرة في عام 2001 عن وجود حضارة زراعية تعود إلى الألفية الرابعة قبل الميلاد وهو ما يُفند النظرية المستندة على التوراة بشأن أصول السبئيين
فالعامل اللغوي وما جاء في التوراة عن أعراب سبئيين قرب مناطق اليهود هو
ما حمل باحثي المدرسة الألمانية القديمة على ترجيح نزوح العرب الجنوبيين من
أقصى جنوب فلسطين. فالتوراة ذكرت ما يٌفترض أنه نسب سبأ ثلاث مرات مختلفة
فذكر سبأ من نسل الشخصية التوراتية إبراهيم من ولد اسمه "قيشان" كان شقيقاً لمدين الذي أنجب ديدان. وذكرت التوراة كذلك أن السبئيين كانوا يغيرون على أيوب ويسرقون بقره ويقتلون الأطفال وهي تعطي دلالة أن عدداً من السبئيين كان بدوياً ويغير على المزارعين في مواقع قريبة من اليهود. وذكرت التوراة أيضا سبأ أخرى شقيقة لحضرموت ومن أبناء يقطان بن عابر وهو الإدعاء الذي تمسك به النسابة والإخباريون الذين ظهروا بعد الإسلام وأنهم كانوا يسكنون "ميشع" ونزحو إلى "سفار" ويعتقد الباحثون أن المقصود بسفار عند اليهود هو ظفار يريم عاصمة الحميريين وذكروا سبأ من نسل كوش
وهي إن أثبتت شيئا فهو امتداد نفوذ السبئيين إلى عدة مناطق على شكل
مستعمرات، وتعدد المناطق التي قدمت منها القوافل السبئية خلط الأمور على
اليهود.
ذكر الباحثون في سياسة العرب الجنوبيين تكوين مستعمرات وتمهيد الطرق
للقوافل، وبناء على ذلك فلا شك أن جماعة من السبئيين كانوا يسكنون على
مقربة من أرض كنعان. وقد عثرت بعثة إسكتشاف أمريكية على آثار من النحاس والحديد وكتابات بخط المسند تعود إلى القرن الثامن ق.م في موقع "تل الخليفة" بالأردن يرى الباحثون أن لها علاقة بالمعينيين في العلا.
هذا لا يعني اعتبار التوراة مرجعا ولكن الوارد فيها قد يعطي لمحة لبعض
التواريخ فكتاباتهم تشبه كتابات النسابة والإخباريين العرب تتعرض للأهواء
والأمزجة والأحقاد وأغلبها بطابع دعائي كاذب. وقد عثر الأثريون على كتابات
سبئية ومعينية في مختلف أرجاء شبه الجزيرة العربية في قرية الفاو بل في العراق كذلك في موقع "وركاء" على شاهد قبر قديم
ولا يعرف على وجه الدقة ما إذا كان هولاء الذين دونوا بالمسند في العراق
يمانيين أم من سكان البلاد الأصليين. واكتشفت كتابات معينية في ميناء
"عصيون جابر" وهو حسب العهد القديم أحد الموانئ المهمة للملك سليمان وكتابات مشابهة في القطيف. ورد في نصوص سومرية كلمة "سبا" في كتابة "لجش تلو" ويعتقد أن المقصود "أرض سبأ" وذلك منتصف الألفية الثالثة قبل الميلاد، وقال هومل أن كلمة "سابوم" الواردة في نصوص لملوك أور هي ذاتها سبأ المذكورة في العهد القديم والقرآن.
كان التبادل التجاري مبلغ علم العبرانيين فلا يوجد في كتبهم سوى أن السبئيين كانوا أثرياء وتجار بخور ولبان وأحجار كريمة، ويظهر أن الأمور اختلطت عليهم بسبب تعدد المواقع التي قدمت منها القوافل السبئية
المهم في هذه الكتابات اليهودية هو توصيفها لحال الجزء الجنوبي من الجزيرة
العربية. وقد وجدت كتابات تصف وضعا مشابها في كتابات اليونانيين والرومان.
كانت الكتابات اليونانية في البداية مبالغا فيها ويشوبها عنصر الأسطورة
ولكنها تحسنت بعد الاتصال المباشر لليونانيين باليمنيين القدماء وزيادة
أطماع اليونان السياسية كانت دافعا لهم لدراسة الجزء الجنوبي من الجزيرة
العربية ودراسة مواطن ضعفه حتى أنهم خزنوا ما كتبوه عن اليمن القديم في
خزانة مكتبة الإسكندرية واعتبروه من أسرار الدولة التي لا يطلع عليها العامة.
أما الوارد بشأن جرهم وإسماعيل
فهي قصص متأثرة بتراث ديني والتأكد منها من ناحية الآثار يكاد يكون
مستحيلا خاصة أن معظم الأبحاث الأثرية لا يثبت وجود هذه الشخصيات وإن وجدت
فإنها قد لا تكون بنفس الصورة التي صورتها النصوص الدينية ورد اسم قحطان
(الجد الأكبر للقبائل اليمنية وسبأ وحمير وكل هذه الممالك حسب معظم
النسابة وكتب الإخباريين) ولكن في كتابات مسندية متأخرة للغاية عن القرن
الثاني عشر أو التاسع قبل الميلاد ولم تكن بالصورة التي صورها الإخباريون،
فذكر سبأ وحضرموت ومعين وحمير وقتبان أقدم من ذكر قحطان بمراحل وورد اسم قحطن كأرض وليس جدا ولا حتى جزء من ميثولوجيا دينية قديمة، فقد ذكر قحطن كاسم أرض لملك كندة،
وقد تظهر الأيام والاكتشافات السر وراء أسطورة قحطان هذا، فرغم أن عدد
النقوش والآثار المكتشفة يتجاوز العشرة الآف نقش إلا أن الباحثين يعتقدون
أن ما تحت الأنقاض يتجاوز ذلك وإن لم يكن البحث عن قحطان هو هدف
الأركيولوجيين الرئيسي من عمليات التنقيب التي لا زالت في بداياتها.
0 comments:
Post a Comment